من يرد الله به خيرا يصب منه
الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم و الملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين و على جميع إخوانه من النبيين و المرسلين و سلام الله عليهم أجمعين أما بعد،
فقد روى البخاري حديثاً صحيحاً يقول فيه الرسول صلى لله عليه و سلم:" من يرد الله به خيراً يصب منه" و معنى هذا الحديث أن الله تبارك و تعالى إذا أراد لعبده المؤمن درجة عالية ينزل عليه المصائب في الدنيا، يحميه من مصائب الدين و يكثِّر عليه مصائب الدنيا، و من مصائب هذه الدنيا المرض و الفقر و أذى الناس و ما أشبه ذلك على إختلاف اصنافها، مصائب الدنيا كثيرة، هذا الذي يتلف له ماله بسبب بلاء من البلايا أو ينهب ماله، الفساق و الفجار و الكفار ينهبون له ماله، هذه مصيبة. و الذي يجرح في جسده مصيبة إن أدى به ذلك إلى الموت و إن لم يؤد به إلى الموت، لأنه يكون قاسى من ءالام الجرح ما قاسى ثم تعافى، كل هذا مصيبة هذه مصائب الدنيا، أما مصائب الدين فهي كالرجل الذي يبتلى بترك الصلاة أو بشرب الخمر أو بأكل المال الحرام أو بغير ذلك من المعاصي، هذه مصائب في الدين، الله تبارك و تعالى من أحبه من عباده من إنس و جن يكثر عليه المصائب الدنيوية و يحميه من مصائب الدين فلا ينبغي أن يتشائم الرجل إذا بدأ بنشاط في عبادة الله تعالى في الإقبال إلى الدين ثم أصيب بالمصائب، نزلت عليه المصائب، لا يقل ما هنأ لي العبادة، إقبالي على الطاعة ما هنأت لي لأن المصائب كثرت علي بعد أن أقبلت على الطاعة، لا يجوز هذا الكلام هذا غرور و انخداع بالشيطان، الشيطان يقول له يقذف في قلبه أنت ما كنت هكذا لما كنت غير مقبل على العبادة الآن لما أقبلت على العبادة أصابتك هذه المصائب نزلت بك ليرده إلى وراء كان مقبلاً متقدماً نحو الخير نحو التقرب إلى الله ثم الشيطان صار يؤخره إلى خلف إلى وراء هذه من جملة دسائس الشيطان بل ينبغي للإنسان إن سلم له دينه و كثرت عليه المصائب أن يحمد الله.
قال بعض العارفين: ورود الفاقات أعياد المريدين، فإن كانت مصائبه في المال و الجسم و بتسلط الناس عليه ظلماً ليحمد الله كلما زادت عليه المصائب و لا يتسخط على الله لأن هذه و إن كانت في الدنيا و يتأذى بها و يتألم لكنَّ هذا عند الله رفعة له و علو درجات، كم من أنبياء قتلتهم بنو إسرائيل، و الأنبياء هم أفضل خلق الله ليسوا هينين على الله بل هم كرماء على الله تعالى و مع ذلك الله تبارك و تعالى يبتليهم مع أنهم كرماء على الله.، الله إبتلاهم في الدنيا منهم من إبتلاهم بأذى الناس، قتلت كفار بني إسرائيل عدداً كثيراً من الأنبياء، هذا يحيى عليه السلام إبن خالة عيسى عليهما السلام أوذي أذًى شديداً و بلغ به الأذى إلى أن قتل، ملك ظالم كان قد تزوج إمرأة فهذه المرأة كبرت ذهب جمالها الذي كان بها و كان لها بنت تكون هي ربيبة هذا الملك ليست بنته قالت له تزوج بنتي هذه حتى لا تكون بعيدة من النعمة التي هي تتقلب فيها بسبب هذا الملك، فهذا الملك استفتى يحيى أيجوز هذا أم لا سأل نبي الله يحيى فقال نبي الله يحيى: هذا حرام قال له يحيى هذا حرام فقال لتلك المرأة لزوجته يحيى يقول هذا حرام، فقالت له أقتله كيف يحرم عليك كيف يحول بينك و بين ما تريده أنت؟ فأخذ بكلامها فقتله فحُمل رأس سيدنا يحيى عليه السلام إليه في طَست و بعض دمه إنكب على الأرض فظل الدم يغلي ما كان يهدأ و الأرض ما كانت تبلعه فسلط الله عليهم كافراً فجاء هذا الكافر من العراق فقتل منهم سبعين ألفاً فهدأ دم يحيى ظل يغلي حتى قتل من جماعة الملك الذي فعل هذا الفعل الخبيث سبعون ألف إنسان، هذا يحيى عليه السلام نبي كريم على الله لم يكن هيناً على الله، الله تعالى ما سلط عليه هذا الكافر حتى تمكن من قتله فحُمل إليه رأسه لهوانه على الله لا بل ليزيده الله تبارك و تعالى بهذا شرفاً عنده لذلك الأن يحيى عليه السلام يقال إن جسده بمكان و رأسه بمكان، في صيداء يقال أن هناك مقام يقال له مقام نبي الله يحيى الناس يزورونه و في مكان ءاخر، و كذلك أبوه سيدنا زكريا نبي الله عليه السلام قتله الكفار، هذان عرفا بأسمائهما من الأنبياء أما الذين قتلهم الكفار من الأنبياء فكثير لكن لم يعرف أسماؤهم، الله تبارك و تعالى ما سماهم بأسمائهم في القرءان و إنما قال:﴿ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾، أي اليهود قتلوا أنبياء كثيرين.
أما المصائب التي أصابت الأنبياء من غير القتل من مرض و أذى من الناس فشىء كثير هذا نوح عليه السلام ظل صابراً يدعو إلى الله يقول لقومه أسلموا ءامنوا أتركوا هذه الأوثان التي تعبدونها تسعمائة و خمسين عاماً عاش فيهم يقول لهم أعبدوا الله وحده و اتركوا هذه الأشياء ثم هم يستهزؤن به و يسبونه و يهينونه بين البشر قاسى منهم ما قاسى. و كذلك سيدنا محمد صلّى الله عليه و سلّم و على جميع إخوانه النبيين قاسى الكثير الكثير من أذى المشركين و قاسى الكثير من الأمراض ،كان هو سخونته لما تصيبه تكون ضعفين كانت حرارتها و قوة كربها ضعفين مثلي ما تصيب الناس الآخرين. كثير من الناس لما يقبلون إلى الطاعة و التقوى يصابون بقلة المال و يصابون بالأمراض و أنواع من البلايا فلا يجوز أن يترك الإنسان الطاعة من أجل هذا، لا يجوز أن يقول ما هنأت لي العبادة الطاعة ما هنأت لي بعد ما أنا تعلقت بها أصبت بهذه المصائب.
نسأل الله تبارك و تعالى أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين و أن يكرمنا بلقاء و رؤية حبيبنا محمد عليه الصلاة و السلام و ءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مع تحيات أخوكم / هاني أبو نائل
[i][u]